أحسن الجمال والبهاء في التواضع والحياء
إعلم أنّ من الأخلاق الحسنة التواضع, وقد حثّ الإسلام على التواضع لما فيه من شرفٍ ورفعةٍ, وحسبك قول الله عز وجل لنبيّه الكريم ( صلى الله عليه واله وسلم ) :
وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
فالتواضع هو الخلق العظيم الذي لا يُضارعه في أدب النفس أي خُلق وهو الوقوف بصاحبه عند الحدود التي رسمها له الأدب.
ومما يجب على العلماء من الأخلاق التواضع ومُجانبة العُجب, لأن التواضع عطوفٌ والعُجب مُنفرٌ وهو بكل أحد قبيح ومن العلماء أقبح لأن الناس بهم يقتدون وكثيرا منهم ما يداخلهم لتوحّدهم بفضيلة العلم ولو أنهم نظروا حق النظر وعملوا بموجب العلم لكان التواضع بهم أولى, ومُجانبة العُجب بهم أحرى, لأن العُجب نقصٌ يُنافي الفضل.
وفيه قول النبي (صلى الله عليه و اله وسلم):
إنّ العُجبَ ليأكلُ الحسنات كما تأكل النارُ الحطب.
وعن أبي الفتح البستي قال:
رأيت أمير المؤمنين علي عليه السلام فقلت له:
يا أبا الحسن علّمني. فقال:
ما أحسن التواضع بالأغنياء في مجالس الفقراء رغبة منهم في ثواب الله وأحسن من ذلك تيه الفقراء على الأغنياء ثقة منهم بالله عز وجل.
فالتواضع إن شئت سميته عبادة هادئة كاملة وإن شئت طويت تحته ما تعرف من وفاء وكرم وشرف وحكمة ولذا قيل: أفضل العبادات التواضع.
وما أحسن ما قيل في التواضع:
تواضع تكُن كالنجمِ لاحَ لناظرٍ = على صفحاتِ الماءِ وهوَ رفيعُ
ولا تكُ كالدخانِ يَعلو بنفسهِ = إلى طبقاتِ الجوِ وهوَ وضيعُ
وقال بعضُ الحُكماء لبعض الوزراء:
إنّ تواضعك في شرفك أشرف لك من شرفك.
وقال بعضهم يوصي ولده:
يا بني ليكن عقلك دون دينك, وقولُك دون فِعلك, ولباسُك دون قدرك.
قال بزرجمهر:
أعجز الناس من عجزَ عن اكتساب الإخوان وأعجزٌ منهُ مَن ضيّع من ظفرَ بهِ منهم.
ورويَ أنّه وقع بين الحسن وأخيه محمد بن الحنفية لحاء ومشى الناس بينهما فكتب إليه محمد بن الحنفية:
أما بعد فإن أبي وأباك علي بن أبي طالب لا تفضلني ولا أفضلك.
وأمي إمرأة من بني حنيفة وأمك فاطمة الزهراء بنت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فلو مُلِئت الأرض بمثل أمي لكانت أمك خيراً منها.
فإذا قرأت كتابي هذا فأقدم حتى تترضاني فإنك أحقُ بالفضلِ مني والسلام.
__________________
الحمد لله ولله الحمد